الخميس، 28 يناير 2016

التعليم المنزلي: homeschooling ثورة أم انقلاب؟

التعليم المنزلي: homeschooling ثورة أم انقلاب؟ 
نشرت بموقع ساسة بوست الرابط هنا و هنا 
1- هل مدارسنا ثكنات عسكرية؟
  • تغييرات ضخمة في بنية التعليم الغربي: أصبحت المدارس أكثر انفتاحيه على المجتمع، في الشكل وفي التنظيم وحتى في بنية المقررات، فتم فتح فرص (التعلم بالمقررات) حيث ينتقي الطالب المواد التي يدرسها والمعلمين بنفسه … إلخ، من التطويرات العاجلة التي تم إضافتها للمدرسة لتصبح لتواجه اتهامها بأنها أصبحت مؤسسات عسكرية صارمة.
  • التعلم المنزليhomeschoolingكبديل: تأثر كثيرون من أولياء الأمور بفكرة (اللا مدرسية)  وخاضوا معارك قضائية رافضين أن يلتحق أبناءهم بالمدارس الحكومية، وظهرت مؤسسات قوية للدفاع عن التعليم المنزلي مثل (HSLDA) مؤسسة الدفاع القانوني عن التعليم المنزلي،  وبعد سنوات من المعارك القضائية أقرت الولايات المتحدة التعليم المنزلي كنظام رسمي، كما أقرت أغلب دول الغرب موادًا في دساتيرها تقر حرية ولي الأمر في انتقاء التعليم المناسب لأبنائه سواء أكان تعليمًا مدرسيًا أم تعليمًا منزليًا .

قبل أن نتحدث عن التعليم المنزليhomeschooling ، أفضل أن أحدثك قليلاً عن التعليم المدرسي  ربما أنجح في إقناعك بحب التعلم المنزلي  وكراهية التعليم المدرسي، في الواقع كراهية التعليم المدرسي قد لا  تحتاج مجهودًا كبيرًا، أظن أنه يكفيك أن تسأل أبناءك أو حتى نفسك: هل تحب المدرسة؟ كما أنني لا أجد نفسي مضطرًا  لتفسير أسباب نفور الطلاب من المدارس تزامنًا مع فشل محاولات المدرسة لكسب حب المتعلمين برغم المحاولات الحثيثة لذلك، وكذلك عدم رضا أولياء الأمور عن أداء المدارس أو مستوى طلابهم من مختلف النواحي: المهارية والعلمية والصحية أو حتى الأخلاقية.
فكرة (الثورة أو الانقلاب) على المدرسة ليست فكرة مستحدثة، ولكن بدأت إرهاصاتها الأولى  في القرن الثامن عشر بأفكار (جان جاك روسو) فقد رأى أن التعليم المدرسي (يفسد الأطفال بما يبثه فيهم من قيم اجتماعية سيئة مثل  الكذب والغش والنفاق والاتكالية والمداهنة والخداع) وإن أفضل ما يمكن أن نقدمه لأبنائنا الطلاب هو أن نتركهم يواجهون الطبيعة مباشرة، ثم مع  ازدهار التيارات الاشتراكية في القرن العشرين برزت أفكار باولو فريري وإيفان إيليتش وماكس ويبر وهوارس مانن في نفس الاتجاه، وكان من أهم تلك التنظيرات ما كتبه إيفان إيليتش  Ivan Illichفي مؤلفه الشهير Deschooling Society  الصادر في 1970م.
(يمكنك تحميل الكتاب  من هنا )​
ANTALYA, TURKEY - NOVEMBER 15: (L to R)Turkish President Recep Tayyip Erdogan meets Russian President, Vladimir Putin on day one of the G20 Turkey Leaders Summit on November 15, 2015 in Antalya, Turkey. World leaders will use the summit to discuss issues including, climate change, the global economy, the refugee crisis and terrorism. (Photo by Dmitry Azarov/Kommersant Photo via Getty Images)
في هذا الكتاب لا يركز إيليتش على أفكار نظرية للتدليل على عدم جدوى المدارس، ولكنه يركز على نقاط واقعية كراهية الطلاب للمدرسة .
خريجي المدارس لا يجدون فرصة للعمل المناسب إلا بعد أن يحصلوا على دورات تأهيلية تعدهم من جديد لهذه الوظيفة مما يعني فشل إعداد المدرسة، اعتماد المدرسة على المعرفة النظرية، وعدم مواكبتها للواقع العملي، اكتساب الطلاب للعادات السيئة السلبية من المدرسة أهمها الخضوع لأفكار المعلمين و آرائهم وأهوائهم.
وهو الكتاب الذي خرجت من عباءته أغلب دعوات اللامدرسية أو التربية بلا مدرسة Education Without School  الذي فسرها إيليتش بأن التعليم المدرسي يمثل خطرًا على هذا المجتمع، فالمدرسة لم تعد مؤسسة تربوية بل أصبحت (أداة تطويع) تسلب الإنسان كل أسلحته التي تمكنه من الحياة الحرّة الكريمة، لتجعل منه كائنًا بلا إرادة وبلا اختيار يقبل كل ما يعرض عليه في سلبية وعجز تام. وهذا يعني أن تتحول المدرسة من هدفها الأصلي، تنمية الأفراد ليتحملوا مسؤولياتهم في المجتمع، إلى أن تصبح إحدى العراقيل الوعرة في سبيل تحقيق المجتمع لأهدافه بل إنها، أي المدرسة، استنزفت قدراته وطاقاته، والنتيجة عكس ما يهدف إليه المجتمع.
فالمدارس هي مؤسسات (مستبدة وخادعة)، فهي أداة من أدوات السيطرة الاجتماعية التي تملكها الدولة، فهي وسيلة للهيمنة الاجتماعية تتحول فيه المدرسة إلى مؤسسات تكرس من أجل الدولة وليس من أجل تنمية الفرد وإعداده لخدمة المجتمع، والمدرسة أشبه ما يكون بمصنع يقوم بإعداد منتجات بشرية، وفق رغبة صاحب المصنع والمتعلم هنا هو من يتم تشكيله ليوائم تلك الرغبات بكل قسوة.
فكرة السيطرة الاجتماعية تعيدنا للمربع الأول لنقاشنا: “لماذا يكره الطلاب المدرسة؟”، دعنا نعيد طرح السؤال نفسه ولكن بشكل أكثر تصادمًا: هل المدرسة أشبه بمؤسسة عسكرية؟
* من ناحية الشكل :
– الجدران العالية – الأسوار محكمة الإغلاق – فصول يصنف فيها الطلاب حسب العمر  .
*من ناحية التنظيم :
– المشي في طابور  عسكري – الحضور الإجباري لطابور في الصباح المبكر حتى في أقصى أيام الشتاء – افتتاح  كل يوم دراسي بتحية العلم والنشيد الوطني للدولة يجب أن يردده كل المتعلمين – الزي الموحد لجميع المتعلمين – الطاعة العمياء للمدير والمعلم – العقاب الصارم لكل مخالف – الاختبارات الجافة التي تقيس القدرة على الحفظ والاجترار الأصم .
* من ناحية المحتوى :
– تركيز المحتوى على البعد النظري الجاف وهو ما أسماه باولو فريري (التعلم البنكي) بمعنى أن هدف التعليم التقليدي حشو ذهن التلاميذ بالمعلومات النظرية دون تركيزها على مخرجات التعليم التي تلبي متطلبات سوق العمل.
-إعداد  مناهج دراسية موحدة  تحت إشراف لجان خاصة تصبغ المقرر بهوية الدولة، فمقرر التاريخ -مثلاً – في كل الدول الشرقية ينظر للأحداث والأشخاص وفق سياسة الدولة واتجاهاتها. (دعنا نطرح مثالاً بسيطـًا على ذلك: مثلاً قصة تاريخية (فحتى عام 1952 كانت مناهج التاريخ في مصر تصف أحمد عرابي بأنه مجرم مارق ووصفت أعماله بـ هوجة عرابي، ثم بعد 1952 تحول إلى البطل أحمد عرابي، ووصفت أعماله بـالثورة العرابية  .
– هل الحل هو إلغاء المدارس؟
لم يناد إيفان إيليتش ورفاقه بإلغاء التعليم بل نادى بما سماه (التربية الحرة) التي توائم حرية الفرد في التعليم بدون قيود، في الواقع سببت آراء إيفان إيليتش ورفاقه ثورة جدلية كبيرة في المجتمع الغربي تعلقت بجدوى التعليم المدرسي، أسفرت تلك النقاشات الطويلة عن نتائج مفصلية أهمها :
ففي الولايات المتحدة الأمريكية بلغ عدد الأطفال المنخرطين في التعليم المنزلي حوالي  50 ألفًا في عام 1985، ووصل إلى 355 ألف بحلول عام1990، وثم واصل الارتفاع في مواجهة التعليم المدرسي  ليصل عام  2000  إلى  750 ألفًا وحاليًا ووفق إحصائيات المعهد الوطني للأبحاث الخاصة بالتعليم المنزلي بالولايات المتحدة ، فإن عدد التلاميذ المنتظمين في التعليم المنزلي بالولايات المتحدة وحدها وصل إلى 2.8 مليون طفل في عام 2014 مع تزايد النسبة بمعدل يتقرب من 7 % سنويًا .

2- كيف يمكنني تطبيق التعليم المنزلي ؟؟
سأحاول الإجابة عن السؤال السابق بطرح ثم الإجابة على أسئلة فرعية مرتبطة به :

أ‌-                 هل سيترك ابني المدرسة تماماً؟ ؟
ب/ 1 من الناحية الإدارية : لا يزال عليك تسجيل الطفل في المدرسة منذ العام الأول و يمكنك أن تقوم بتنظيم زيارات دورية للمدرسة لتحقيق نسبة لا تتجاوز 25 ساعة أسبوعياً في الحضور ثم الامتحان في نفس المقررات الحكومية ومع بداية المرحلة المتوسطة (الإعدادي) ستتخلص تماما من عبء الحضور للمدرسة ، حيث يمكنك أن تقوم بتحويل ابنك لنظام(المنازل) والذي يكون الطالب فيه مطالبًا بالذهاب للامتحانات فقط بهدف الحصول على شهادة اجتياز الصف الدراسي . 
ب/2:من الناحية التعليمية : طالما لم نستطيع –حتى الأن – الفكاك من التعليم المدرسي الحكومي ، فيمكننا على الأقل أن نستفيد من بعض مزاياه المحدودة لخدمة تعليمنا المنزلي الذي نؤمن به !!

أ‌-                 هل المنزل مكان مناسب للتعليم مقارنةً بالمدرسة ؟
- سيوفر المنزل بيئة أمنة للتعليم ، بعكس المدارس التي ينتشر فيها : تعاطي المخدرات والكحوليات، والجنس، والتمييز العنصري والطائفي وحمل الأسلحة والعنف ، انتشار الأمراض .. الخ
-في المنزل ستستطيع ضبط الجدول الدراسي بما يناسب الأسرة وبرقابة الأسرة .
- في المنزل سيتم توفر جزء كبير من الوقت المهدر في المدرسة المتمثل في المهام الإدارية .

ب‌-           ما معايير إدارة التعليم المنزلي ؟
1- المؤهل العلمي والمستوى الثقافي والخبرة للوالدين ولأفراد الأسرة.
2- ظروف الأسرة: مثل عمل الوالدين
3-  الظروف المكانية: مثل مساحة المنزل .
4- عدد أفراد الأسرة: فالأسرة التي يكون عدد أفرادها قليلا تختلف عن الأسرة التي يكون بها عدد الأفراد كبيرا، فمن ناحية تحتاج الأسرة الكبيرة لمجهود أكبر في التعليم المنزلي ، ولكنها أيضا تتميز بمستويات اجتماعية أكثر تأثيرا بين الأبناء بعكس الأسرة الصغيرة. 
5-استقرار الأسرة الاجتماعي والنفسي: كلما زاد التماسك الأسري سيكون التعليم المنزلي أكثر تأثيراً بعكس الأسرة التي تعاني من التفكك والخلافات الزوجية.
6-  المستوى العمري والمرحلة الدراسية :التعليم المنزلي للمرحلة الأساسية يختلف عن التعليم في المراحل التعليمية الأخرى من حيث الجهد والوقت والوسائل المستخدمة والطرق المناسبة لإيصال المعرفة للأبناء.

ت‌-           ومن سيُعلم الأبناء ؟!
تنحصر بيئة التعليم في التعلم المنزلي بشكل فردي أو جماعي بين أبناء الأسرة داخل بيئة المنزل.
-  الطالب " أحد أبناء العائلة ".
- المعلم: ( الأبوان أو أحدهما أو أحد الأقارب أو أحد الأخوة  أو المعلم الخاص ).
 فلو رغب الأب والأم في لعب دور المعلم يجب عليهما الالتحاق  ببرامج تدريبة في التدريس ، أما في حالة استعانة الوالدين بمعلم خاص –لأي ظرف – سيتحول دورهما للإشراف والمتابعة ، وهذا يعطي للتعليم قيمة إيجابية وفعالية، فالتعليم يكون فردي تماماً بعكس ما يحدث في الفصل الدراسي المزدحم حيث يضيع المعلم الكثير من وقته (لإرضاء) الجميع.
ولا يشترط وجود جدول دراسي –هنا مرونة في التوقيت وفقا لظروف الطفل واهتماماته.
ث‌-           وكيف تتم الاختبارات ؟ وكيف تعتمد الشهادات ؟
لحين اعتماد التعليم عن بعد بشكل رسمي في بلادنا سيكون عليك أن تلتزم بالاختبارات المدرسية.
ج‌-             وما المناهج التي سيدرسها الابن ؟
بجانب ضرورة دراسة ابنك للمناهج الدراسية الحكومية فبمقدورك إضافة الكثير من اللمسات الرائعة:
أ/  يمكنك دعم المناهج الحكومية بمقررات إثرائية أكثر فعالية لأبنائك . ويمكنهم الاختيار بين مجموعة من المناهج المخصصة للتعليم المنزلي، ويمكنهم أيضا بناء منهج مختلف حسب ما يرونه مناسبًا لأولادهم ، وهي فرصة رائعة لإضافة مناهج للطلاب الموهوبين أو المتعثرين على السواء لمتابعتهم بشكل شخصي ..
مناهج ومصادر معدة للتعليم المنزلي :
http://ontariohomeschool.org/resources/
ب/سهولة تخطيط المنهج، فيما يتوافق مع قدرات واستعداد التلاميذ. فقد ينتقل المعلم من موضوع إلى آخر بشكل سريع أو بطيء، أما في المنزل لكل منهم منهج خاص منفرد  ويسير وفق تعلمه فردياً وفق قدرات الطالب، وهذا يخلق الفرصة للأسرة لمتابعة أبناءهم بمراحل نموهم وتطورهم في جميع النواحي العلمية والنفسية والوجدانية.
د/ كما تتعدد مواقف التعلم النابعة من الوقت الذي يقضيه الأبوان مع الأبناء من خلال ممارسة الحياة الطبيعية من خلال حوار اجتماعي يومي، لا يتبع منطق التسلسل المدرسي، ولكن خلال ممارسة أنشطة الحياة اليومية : مثل المشاركة في الأعمال المنزلية- القراءة الحرة-متابعة اهتمامات خاصة-استخدام الكمبيوتر، فكلها تهيئ فرصًا ثرية للتعلم ودروس حقيقية، والأسئلة المنطقية التي تثير الطالب وتدفعه للسؤال عنها.
هـ / أيضا تتعدد مصادر التعلم النابعة من المشاركة الاسرية مثل زيارات المتاحف والمعارض والراحلات والمكتبات والأندية واللعب والتنزه .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

سأقوم بمراجعة التعليق ثم أنشره في أقرب وقت إن شاء الله